الحديقة الوطنية بوهدمة

  الصفحة الرئسية

الإحداث :   

         الأمر الرئاسي عدد 1606 لسنة 1980 المؤرخ في 18 ديسمبر 1980

لمحة تاريخية :

        * 1853 - تمّ التبه إلى أهمية غابة بوهدمة على أنها تمثل بقايا سباسب صحراوية قديمة.

        * 1936 - أصدر أحمد باشا باي أمرا لبعث حديقة ببوهدمة تمسح 5000 هكتار.

        * 1963 - تمّ تسجيل العقار بإدارة الملكية العقارية تحت الرسم عدد 36 سلسلة 2 صفاقس.

        * 1977 - أقرّت المنظمة العالمية للثقافة والتربية والعلوم بترسيم الحديقة الوطنية بقائمة "محميات الكائنات الحية ومحيطها".

        * 1980 - صدور الأمر الرئاسي ببعث الحديقة القومية ببوهدمة.

الموقع الجغرافي :

        توجد الحديقة على مسافة 85 كلم شرقي قفصة و 100 كلم جنوب سيدي بوزيد و 30 كلم من بلدة المكناسي وتتبع من حيث التقسيم الإداري ولايتي قفصة و سيدي بوزيد.

المساحة :

        تغطي الحديقة الوطنية ببوهدمة مساحة 16.488 هكتار مقسمة إلى ثلاثة محميات وهي : المحمية الشرقية حول برج بوهدمة وتمسح 5.114 هكتار، محمية وادي هذّاج بوسط الحديقة وتمسح 2.534 هكتار، محمية الجنوب الغربي للحديقة وتمسح 1.006 هكتار.

        تكوّن الحديقة جزءا من جبال عرباط - بوهدمة التي تمثّل الجهة الجنوبية الشرقية لسلسلة تلال الأطلس الصحراوية.

        يبلغ إرتفاع جبل بوهدمة 840 م فوق سطح البحر بينما لا يتجاوز إرتفاع الغابة السبسبية بالسول الجنوبية للجبل سوى 90 مترا.

المتحف البيئي :

        تمّ بناء متحف بيئي قرب برج بوهدمة لاستقبال الزوار والباحثين وتوجد على مقربة من المتحف غابة إصطناعية مسنة من أشجار الاكلبتوس تعبرها ستقية عين الشرشارة النازلة من الجبل وقد أعدت بركة صغيرة وسط هذه الغابة المهيأة أساسا للزائرين وفيها يمكنهم مشاهدة بعض الحيوانات التي تمّ وضعها بزرائب صغيرة خصيصا للغرض كما أعدّت أيضا بالجهة الغربية للحديقة وعلى مسافة 22 كلم من البرج محطة أخرى بقصد إعادة تعمير الحديقة بالغزال والنعام وأبي عدس.

نظرة عامة على الحديقة :

        إنّ السهوب المكسوّة بغابة شبه إستوائية من أشجار الطلح Accacia raddiana بهذه الحديقة الوطنية يجعل منها عيّنة وحيدة من بقايا السباسب شبه الصحراوية المماثلة لسباسب بلاد الساحل الإفريقي وتضفي هذه الخاصية على الحديقة أهمية كبرى.

        يتأثّر السفح الشمالي لجبل بوهدمة بعوامل المناخ المتوسطي الجاف المعتدل طقسه شتاء بينما يتأثّر سفحه الجنوبي وكذلك سهول بلاد الطلح بعامل المناخ القاري للصحراء الكبرى وللسهول المرتفعة بمنطقة قفصة ذات الشتاء البارد.

        تعتبر جهة بوهدمة منطقة جافة ونزول الأمطار بها ليس له فصل معيّن إذ كما يتمّ ذلك في الخريف أو الشتاء أو الربيع، ونادرا ما يتجاوز المعدل السنوي 100م.م، وتتحول المنطقة إثر نزول الامطار ولمدة بضعة أسابيع إلى حقول مخضرّة مزدانة بالأزهار المختلفة الألوان.

        ترتفع الحرارة في فصل الصيف إلى 45 درجة مائوية في الظل كما يتواتر فيه هبوب رياح السموم الصحراوية والعواصف الرملية بينما تنزل درجة الحرارة في ليالي الشتاء المقمرة إلى ما تحت الصفر.

        تختصّ المنطقة بتواجد أنواع من الحيوانات الصحراوية أو شبه الصحراوية وتوجد حاليا بالمرتفعات الجبلية الجافة الأروية المغاربية Ammotragus lervia والقندي Ctenodactylus gundi والعقاب الحر Aquila-chryaetos ، أما سفح الجبل والسهول المحيطة به فنجد بها الغزال Gazella dorcas وثعلب الجنوب Vulpes rupelli والجربوع Jaculus orie,entalis والثرثارة الصهباء (حجل السدر) Turdoides fulvus.

        ومنذ أوائل هذا القرن تمّ القضاء بالمنطقة على المها Oryx dammah وأبى عدس Addax nasomaculatus والفهد Acimonyx jabatus.

        ترى في الصباح الباكر في الصيف أسراب القطا Pterocles ssp متجمعة حول منابع المياه بوادي بوهدمة تروي ضمأها كما ترتوي ماشية أهالي الجهة في ساقية بجوار المنطقة المحمية لبرج بوهدمة تتجمع فيها مياه عين الشرشارة الكائنة بسفح الجبل.

        من المحتمل أن تكون منطقتي السقي والطلح بهذه الرقعة من شمال إفريقيا آخر ملجأ للفيلة التي إستعملها القائد القرطاجني حنّبعل والملك البربري مسينيسا من بعده في حروبهما وذلك حسبما ترويه المصادر التاريخية القديمة.

        يتوسّط برج بوهدمة المنطقة المحمية الكائنة بالجهة الشرقية للحديقة حيث توجد غابة كثيفة معمّرة من أشجار الطلح Acacia raddiana وكان هذا البرج في الأصل محطة للقوافل تم بناؤها سنة 1892.

        أعيد إدخال المها ةأبى عدس والنعام إلى الجزء المسيّج من محمية بوهدمة والذي يمسح 2000 هكتار.

        وقد شيّد بقرب البرج المذكور متحف بيئي يقوم في نفس الوقت بدور مركز للبحوث واستقبال الزوار وإرشادهم بجوار المتحف غابة من الأوكالبتوس جهزت لتمكين الزائرين والباحثين من الإستراحة فيها.

        تمتدّ الحديقة الوطنية على مسافة 20 كلم أي على كامل السفح الجنوبي لجبل بوهدمة ولا بدّ لقطع هذه المسافة من إستعمال سيارة ميدانية.

       الجيولوجيا :

        يكوّن جبل بوهدمة جزءا من سلسلة جبال عرباط - بوهدمة المتدة بداية من شرقي قفصة حتى غربي المزونة وهي آخر خاصرة للأطلس الصحراوي، ويفصل جبل بوهدمة بين المنطقة القارية الصحراوية وأخدود الظهر التونسي، وللجبل شكل محدودب متكوّن من الكلس والصلصال ويرجع أصله إلى الحقبة الطباشرية المتوسطة.

        ويكون حوضه الأوسط الشرقي مصرفا لمياه وادي بوهدمة التي تغذّي عين الشرشارة، كما يكوّن حوضه الأوسط - الغربي مصرفا لمياه وادي المش التي تغذّي العين المعدنية لحمام هدّاج، ويرجع عهد تكوين الحوضين إلى الفترة الممتدّة بين العهدين الجوارسي والطباشيري الأدنى وهو ما يفسّر وجود الصلصال الملوّن والجصّ الأبيض والكلس. ويتكوّن أسفل سفح الجبل الجنوبي من التربة المجروفة من أعالي الجبل خلال الحقبة الرابعة وقد غطّيت تلك الرواسب في ما بعد بقشرة من الكلس والجص.

        أمّا السهول الغربية للحديقة فتغطيها رمال متأتية من تلال الزيزفون (السدر) Ziziphus lotus والكثبان الصغيرة وأمّا جهة سبخة النوايل فتربتها من الرمال ورواسب الطمّي من الجبس المالح.

الحيوانات البرية :

        تتحصّل حيوانات الحديقة على كمية الماء الضئيلة لتمييه الجسم ووقايته من الإجتفاف من رعي بعض أوراق النباتات الخازنة للمياه وتقتصر هذه الحيوانات المتأقلمة مع البيئة على بذل أقلّ ما يمكن من الطاقة نهارا خاصّة في فصل الصيف لتفادي نتح الماء من أجسامها، وللغرض تطبّع أغلبها بعادات ليلية، أو إقتصر نشاطها للبحث عن القوت في فترتيس الصباح الباكر وعند غروب الشمس. ويكتسي ثوب الحيوانات بالمنطقة في الصيف لونا فاتحا يعكس أشعّة الشمس الحارّة ويتحوّل في الشتاء إلى لون داكن يمكّنها من إمتصاص أكبر كميّة من أشعّة الشمس الباعثة للدفء.

        تسبت الزواحف بالمنطقة خلال أشهر الشتاء لتعود إلى سالف نشاطها مع بداية الربيع.

        وللزواحف دور هام في المحافظة على التوازن الطبيعي فالبوفطيرة مثلا يلتهم سنويا نحو عشرة آلاف فأر ممّا يضع حدّا لتفاقم أعدادها، ويمكن إعتبار ذلك مساهمة في حماية الإنتاج الفلاحي والنباتات بصفة عامّة، وينسحب نفس الحكم على الزواحف الصغيرة الحجم كالحرباء والجرذون والوزغة والعظاية التي تعيش على الحشرات من عناكب وخنافس وذباب تنغصّ كلها عند تكاثرها عيش الإنسان وتقلق راحته.

        يعيش القندي Ctenodactylus gundi بين صخور سفح جبل بوهدمة، ولهذا القاضم الصغير الحجم وسيدات أسفل قوائمه مكسوّة بالوبر تمكّنه من التنقّل بسلاعة ودون عناء فوق تلك الصخور، وقد تراه أحيانا متمدّدا على صخرة للإستماع بحرارة الشمس لكنه يحتبىء في القيلولة أو عندما يكون الطقس باردا.

        القندي شديد الحذر، يمكث بمكان ما دون حركة لكي لا تبصره الحيات والأورال والثعالب ويساعده في هذا التستر إمتزاج لون فروه الأصهب مع لون صخور الجبل ويطلق عند الشعور بالخطر صفرا حادا ويلجأ مسرعا إلى جحره.

        تضع أنثى القندي حملها في الشتاء وتلد من 2 إلى 4 صغار مفتحة الأعين مكسوة بكامل فروها.

        أبو عدس Addax nasomaculatus ظبي من ظباء المناطق الصحراوية، متوسط القامة، ضخم البنية، لون فروه فاتح في الصيف أشهب بني في الشتاء، له أظلاف إسفنجيّة عريضة تتلاءم مع البيئة الصحراوية.

        قضي على هذا الظبي سنة 1930 بالجنوب التونسي وأعيد إدخاله إلى الحديقة الوطنية ببوهدمة سنة 1986، وأعداده الآن في ازدياد.

        يعيش الغزال Gazella docras في قطعان صغيرة بسفوح المناطق الصحراوية الجافة وعلى ضفاف السباخ والشطوط وهو من أصغر أنواع الظباء بالبلاد التونسية إذ لا يتجاوز وزنه 18 كلغ.

        تغنيه النباتات التي يقتات منها عن ماء الشراب.

        تضع الغزالة جديا في الربيع عادة وفي بعض الحالات النادرة في الخريف.

        يتّخذ المها ملاذا له في الأماكن المشجرة من سباسب المناطق الجافة أو الصحراوية. والمها حيوان عاشب مجتر، جميل المظهر له قرون لولبية أطرافها حادة مذبّبة يستعملها في الدفاع عن نفسه ضدّ أعدائه. تلد الأنثى غضيضا بعد مضي فترة من 240 إلى 260 يوما من تاريخ الحمل.

        أعيد إدخال هذا الحيوان الجميل إلى الحديقة الوطنية ببوهدمة سنة 1986، وأعداده الآن في ازدياد مطرد.

        يستوطن الأرو المغاربي جبال المناطق الجافة وهو متسلّق ماهر يعيش في قطعان تعدّ من 6 إلى 20 ؤأسا. يختصّ الذكر منه بقرنين قويين منحنيين إلى الخلف وعثنون طويل يغطي كامل ذقنه وقائمتيه الأماميتين، ويبلغ وزنه 100 كلغ. تضع الأنثى جديا أو جديين في الربيع.

        يعتبر النعام من أكبر الطيور حجما وتبلغ قامته 2,50 م ويتراوح وزنه من 100 إلى 150 كلغ ويستطيع العدو بسرعة 70 كلم في الساعة. يشتمل غذاؤه على الأعشاب والحشرات والزواحف الصغيرة. يكسو الظليم غطاء من الريش الأسود على البدن والريش الأبيض على الجناحين. أمّا الربداء فلها لون موحد بني أشهب، وتبيض في الربيع وسط حفرة فوق الرمال 14 بيضة تزن الواحدة منها 1,5 كلغ.

        تحتضن الأنثى بيضها ليلا ويتكفل الذكر بالمهمّة نهارا ويدوم هذا التناوب مدة 48 يوما ينفقص في نهايتها البيض وتخرج منه رئلان في حجم الدجاجة يقوم الذكر وحده برعايتها، وتصبح تلك الرئلان بالغة بعد مضي سنتين.

        أعيد إدخال النعام إلى الحديقة الوطنية ببوهدمة سنة 1980 أين أصبح الآن يتكاثر بصفة كبيعية.

        تعتبر منطقة بوهدمة من أغنى المناطق بالطيور خاصّة في الربيع موسم الهجرة حيث يتوقّف العديد منها هناك للإستراحة ومن بينها :

- الصفارية Oriolus oriolus                     - الهدهد Upupa epops                                     - أبو حبيب Emberiza striolata

- المكاء Alaemon alaudipes                 - الدريج الصحراوي Cursorius cursor                - السبد Caprimulgus

- أبو جهاز Oenanthe leucopyga            - الدغناش الوردي Rhodopechys githaginea    - القطا Rterocles ssp

- البوم Athene nocuta                            - فهد الليل Budo desertorum                         - الحجل Alectoris barbara

- الميمون Merops apiaster                    - حجل السدر Turdoides fulvus                       - العقاب الحر Aquila chrysaetos

        تشاهد الزواحف ببوهدمة في الصيف خاصّة في الصباح الباكر أو عند الغروب ومنها :

- الضب Uromastix acanthinurus            - السلاحفاليونانية Testo graeca                    - الحرذون الصحراوي Agma mutabilis

- الصل المصري (بوفطيرة) Naja haie           - الحرباء Chameleo chamaeleon               - الأفعى الحرة Echis carinatus

- الأفعى القرناء (الداقرجة) Cerastes            - الورل Varanus griseus                         

النباتات البرية :

        كانت أشجار الطلح Acacia raddiana في سنة 1853 تغطي 38.000 هكتار لم يبق منها في 1957 سوى عشرة هكتارات حول برج بوهدمة، وبفضل الحماية تمكن الطلح من الإنتشار وإعادة تعمير مساحة تقدر الآن بحوالي 16.000 هكتار، وتعتبر هذه الشجرة من أهم العوامل التي تساعد على إعادة الحياة الطبيعية للمنطقة وذلك نظرا لعدة خصال تتمتع بها إذ أنّ جذورها تغوص في الأرض إلى عمق 40 مترا مما يساعدها على مقاومة الجفاف عدّة سنوات متتالية، كما تتصدى أغصانها الشائكة بكل قوة للرياح الرملية العاتية وتضع بذلك حدّا لزحف الرمال. ثمّ إن وريقات هذه الشجرة تقسط عندما يشتد هبوب رياح السموم وبذلك تحد من التبخّر وتقاوم التجفف. ةتساهم القواضم والنمل عند جمع هذه الأوراق واستهلاكها في خلق طبقة غنية بالأسمدة حول كل شجرة الشيء الذي يساعد على إستقرار التربة بتلك الأماكن ويخول لبعض النباتات العشبية من إعادة كسائها في مرحلة أولى تتبعها النباتات المعمرة والأشجار في مرحلة ثانية. وبذلك تصبح تلك الأراضي التي كادت أن تتحول إلى صحاري قاحلة مستجيبة لمتطلبات عيش البشر وهذا ما يمكن مشاهدته عن كثب بالحديقة القومية ببوهدمة.

        تكوّن قمة جبل بوهدمة مركز تلاقي جبهة المناخ الصحراوي مع مثيلتها المتوسطية ويكوّن هذا التلاقي بعض السحب تستفيد منها النباتات المختلفة المتواجدة هناك إذ يعادل يوم مغشى بالسحب كمية 2 مم من الأمطار.

        وتوجد في تلك المنطقة إلى الآن بقايا العرعر الفينيقي Junipersus phoenicea في شكله الشجري ومختلف النباتات المصاحبة للجبور Olea europea والذرو  Pistacia lentiscus كما توجد بعض أشجار الكبار الشوكي Capparris spinosa التي يبلغ إرتفاعها أحيانا عدّة أمتار.

        عندما يكون الشتاء ممطرا تتحوّل منطقة بوهدمة في شهر مارس إلى حقول أزهار مختلفة الألوان من الزنبقيات والقرنيات والخميميات الربيعيات والخبازيات ولكن تلك الأزهار لا تعمّر أكثر من أسبوعين، تنضج في نهايتهما البذور، وتنتشر لتنمو في موعدها وتساهم في المحافظة على جنسها وتكاثر أعداده.

        كما تغطي أشجار الدفلى Nerium oleander بعض المواقع المرملة من الأودية وتساهم بذلك في حماية مجاري تلك الأودية كما نجد في المنخفظات المحصبة نبتة القندول Calycotome villosa ذات الأشواك الحادة التي تتفتّح أزهارها الصفراء في الربيع ولهذه النبتة أيضا أهميتها في مقاومة الإنجراف وتمكين الحجل والأرانب البرية والسلحفاة من مخبإ أمين لنفسها ولصغارها.

        نزول الأمطار في الشتاء يساعد الكمأة (الترفاس) Tuber album على الظهور في شهر فيفري ومارس والنوع المتواجد بالمنطقة هو النوع الصحراوي الذي ينمو في أماكن السيول المحمية بين نباتات الشعال والشيح ولهذا الطحلب طعم لذيذ يستهوي أهالي الجنوب وخاصّة البدو منهم.

       

رجوع