رأي

 

أي تعليـــــــــــم ؟ لأي مجتــــمــــــــــــع ؟

 

يفيد تاريخ العلوم أن البشريّة مرّت بعدّة ثورات حددت ملامح مجتمعاتها وأسّست لبعضها البعض فمن الثورة الزراعيّة إلى الثورة الصناعيّة فالثورة العلميّة التقنية و ها نحن نشهد اليوم ثورة تكنلونوجيا المعلومات و الاتّصال أو الثورة الرقميّة التي تعدّ القوّة المحرّكة للاقتصادالعالمي حاليا ومستقبلا والتي تؤسّس لإرساء دعائم مجتمع المعرفة التي ستمكّن الإنسان من فرض سيطرته على الطبيعة إلى حد يصبح عالم التطوّر المعرفي أكثر تأثيرا في الحياة من بين العوامل الأخرى الماديّة والطبيعيّة .ولئن رافقت المعرفة الإنسان منذ أن تفتح وعيه وارتفعت معه من مستويات البدائيّة حتى وصلت إلى أوجها الحالي فإنّ الجديد اليوم هو حجم تأثيرها على الحياة  الاقتصاديّة والاجتماعيّة وعلى نمط حياة الإنسان و تعليمه وتربيته و تدريبه وجعل عامل السّرعة في التأقلم مع التّغيير من أهّم العوامل الاقتصاديّة و الإنتاجيّة  .

فالإنسان الذّي لا يسعى إلى مواكبة التّطور العلمي والتّكنولوجيّ و اكتساب كفايات تؤهّله لمسايرة هذه التغيرات العلميّة السّريعة سيجد نفسه عاجزا عن ولوج مجتمع المعرفة والمساهمة فيه .

وما دامت المؤسسّة التّربويّة هي مؤسسّة اقتصاديّة فهي مدعوّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بأنّ تواكب هذا التحوّل  وأن تعيد النّظر في برامجها التعليميّة وطرق التّدريس فيها ونوعيّة مخرجاتها و قدرتها على إعداد أشخاص علميين يفكّرون بأسلوب علميّ و عقلانيّ و تتوفر لديهم المعلومات الصّحيحة على العالم و البيئة التّي يعيشون فيها حتّى يتكيّفوا مع التّغييرات السّريعة ويساهموا فيها إيجابيّا  . ولا يتأتى ذلك إلاّ إذا أولت المؤسسّة التّربويّة مكانة مركزيّة للعلوم  والبحث العلميّ  في برامجها  و طوّرّت طرق تدريس المواد العلميّة  و الأنشطة  الإيقاظية حتّى تنمّي لدى المتعلّمين القدرة على إتّباع الأسلوب العلميّ في التّفكير و معرفة المبادئ العلميّة التّي يستطيعون استخدامها في حلّ مشاكل بيئتهم و اكتساب الكفايات و المهارات و القيم اللاّزمة لينشئوا على المواطنة فيربطون علاقات سليمة مع المحيط و يبنون مواقف رشيدة تجاه الكائن الحيّ .

لذلك ينبغي أن يدرك المربون أن ّ المعارف الجديدة و التكنولوجيا المستحدثة تعني صناعات ومهنا مستقبليّة و تطلّعا لهذه المعارف حتّى تعدّ أجيالا مقبلة للمهن القادمة فتعليم اليوم هو صناعات و قدرات يستوجبها العقد المقبل, وتكوين اليوم هو لمهن أخرى تختلف إلى حدّ كبير عن المهن الحاليّة . و هو أمر يدعونا إلى التركيز على اكتساب كفايات وقدرات ومنهجيات عمل وتثمين العمل باعتباره قيمة حضارية ولا سبيل إلى النجاح بدونه وأن الحاجة إلى المعرفة وإلى المعلومة أصبحت بلا حدود ومن لا يطّلع على ما يقوم به الغير يقدر على المتوقع  في المنافسة .فكيف نتمكن من هذه المعارف ؟ و كيف نرصد الجديد من هذه التكنولوجيات التي تقوم على التحكّم في المعرفة وفي الاتصالات و انتقالها وتوزيعها السريعين ؟ وكيف نتوقع  في الصناعات المقبلة ؟ وكيف نهيئ أبناءها للمهن المرتقبة مستقبلا ؟ و لمجتمع الغد ؟

 

متفقد دائرة مارث الأولى للغة العربية

                                              محمد الجواشي