الكسندرغراهام  بيل

مخترع الهاتف

من بين الاختراعات و الاكتشافات التي قدمها العلم للبشرية ما كان له أعظم الأثر في تغيير معالم حياتنا المعاصرة .ومن بين تلك الاختراعات اختراع "الهاتف" الذي أصبح يحتل مكانة حيوية في حياتنا اليومية ،أما الرجل الذي اخترع تلك الآلة الخارقة ،وجعل من الأسلاك الجامدة رسلا تحمل همسات الشفاه إلى الآذان الصاغية ،فهو شخص يدعى "الكسندر غرا ها بيل " ولد "الكسندر غراهام بيل "في مدينة "ادنبره" باسكتلندا عام 1847 ،حيث كان أبوه يعلّم أصول الشارات الصوتية لتعليم الصم والبكم بتتبع حركات الشفاه ، وقد ألف في ذلك كتاباً بعنوان "الكلام المنظور" وقد سار "الكسندر" على خطوات أبيه ، ونهج نهجه ، فتعمق في أبحاثه جاهداً يعمل بحماس مفرط ،ممّا أثّر على صحّته ، وبدأ يشكو آلام المرض . قرّر "بيل" السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للإستجمام و الراحة ، وهناك عرضت عليه وظيفة تعليم النطق في مدرسة "بوسطن" للصّمّ .ولكنه ظل ينصرف في ساعات فراغه لبعض تجاربه العلمية ، ولا سيما للآلة التي سيطرت على أفكاره منذ أن كان في "ادنبره" . كان يتوقع لآلته تلك بأنه يمكن بواسطتها إرسال عدة رسائل برقية في وقت واحد على خطّ برق واحد. و لكن فكرته هذه لاقت تعثرا في إبرازها إلى حيّز التطبيق لما يتطلّبه مثل هذا الاختراع من تمويل.و في هذه الظروف تقدم له رجل من الأثرياء طالبا منه أن يدرب ابنته الصّماء على التكلم بطريقته الخاصة بعد أن يئس من علاجه عن طريق الأطباء الآخرين  .وكانت الفتاة تدعى "وميبل هبارد" .وكان قد عزم على تحوير جهاز "التلغراف الموسيقي"الذي صمّم صنعه ، بحيث يتاح لفتاته تذوق نعمة السمع . وعندما أعلن الشّابّ عن عزمه إلى والد الفتاة شجّعه الرّجل على المضي في تجاربه و أظهر استعداده لمساعدته المالية في سبيل إسعاد ابنته.كان "بيل"في حاجة إلى توسيع مداركه في علم الكهرباء لصنع الآلة المنشودة،فأقبل على دراسة هذا العلم ،واهتمّ أيضاً بالعلوم الطبيعية وخاصّة التي لها علاقة بالأصوات،وفي سنة 1873 لاحظ أنّ تيّارا كهربائيّا كان يتولّد داخل أسلاك المحوّل الكهربائيّ الذي يحيط بحجر المغنطيس واعتقد أنه إذا وضعت رقيقة معدنيّة على قطعة جلد طرية أمكن للرقيقة أن تهتز بواسطة الصوت البشري وإنه إذا أمكن توليد تيار كهربائي يتغير في تواتره كما تتغير قوة الهواء عند خروج الصوت من الحنجرة لأصبح بالإمكان نقل الموجات الصوتية بواسطة التيار إلى مستمع بعيد عن مصدر الصوت كانت هذه الفكرة واضحة في ذهنه ولكن تنفيذها وصنع الجهاز النهائي للبثّ والاستقبال يعد من المشاكل الفنية العائقة لاختراع بيل إذ لم يجد من يقف إلى جانبه ويشدّ أزره أثناء فترة التجارب التي طالت ،سوى مساعده الوفيّ"واطسن ". وحتّى السيدّ " هبارد" الذي أصبح حماه فيما بعد ، أصبح هو الآخر ممنّ يتهكّم بالإعلان عن "الجهاز الخياليّ الذي سيسمح بنقل الأحاديث عبر القارّات والبحار. وفي اليوم الموعود حدثت المعجزة . كان ذلك في اليوم الثاني من شهر جوان سنة 1875 . كان "بيل" يقوم  بتجاربه الاعتيادّية  مع مساعده "واطسن" وكان وجهاز الإرسال    

التّلغرافّي موضوعاً في غرفة ، و جهاز الاستقبال في غرفة أخرى . وكان على كلّ من الجهازين سلسلة من الرّقائق المعدنيّة المختلفة الطّول ،أحد أطرافها ثابت والطّرف الثّاني متحرّك ،كانت تستخدم في إرسال الاهتزازات من مختلف الذبذبات واستقبلها وقد حدث إن علّقت إحدى هذه الرقائق المعدنية و تصلّبت بحيث صارت تولد اهتزازات بالقدر اللازم لوصل وقطع التيار الكهربائيّ الذي يعدّ بمثابة قلب جهاز التلغراف النّابض. وبينما كان "واطسن" يحاول فكّ الرّقيقة العالقة ، كانت يده تصطدم بالرّقائق الأخرى فيصدر عنها رنين خافت. وقد لاحظ "بيل" هذا الرّنين الخافت المتواصل الذي كان يأتيه عبر السّلك .فجحظت عيناه وتقطّعت أنفاسه إذ خيل له أنّه توصّل إلى اكتشاف حاسم .وظلّ "بيل" يطلب من مساعده بصوت عال من الحجرة المجاورة أن يعيد الحركة عدّة مرّات ليتأكّد من حدوث الاهتزازات ..فإذا بها تحدث بانتظام في كلّ مرّة . فثبت له جليّا بعد هذه التّجربة أن الأسلاك تستطيع نقل الأمواج الصّوتيّة. لقد اكتشفت أخيرا بمحض الصّدفة شيئا مهّما يخصّ أجهزة الإرسال ... وإنّي سأتمكّن في مدّة قصيرة من صنع جهاز كامل يستطيع أوّلا تحويل الأصوات إلى أمواج كهربائيّة في آلة البثّ.ثم تحويل الأمواج الكهربائيّة إلى أصوات في آلة استقبال في " وظلّ "بيل" وزميله يعملان بعد ذلك دون هوادة في سبيل إتمام تصميم الجهاز بعد تثبيت آلة البثّ في إحدى غرف سطح البناء وآلة استقبال في الدّور الأرضي منه ،و لكنهما مضيا يحسّنان في هذا الجهاز و يجريان المزيد من التّجارب حتى كان يوم 10من شهر مارس 1876،قال "بيل" لمساعده "واطسن" وهو يخاطب الجهاز:"السيد واطسن ،أحضر إلى هنا ،إنّني أريد ك" وكانت هذه العبارة أوّل عبارة كاملة تنقل بالهاتف .وبعد برهة وجيزة كان "واطسن" أمام "بيل" شخصيّا وهو يصرخ دون وعي وعلى وجهه نشوة الانتصار قائلاً:لقد سمعتك يا "بيل" ..لقد سمعتك .. " عرض "بيل" اختراعه في معرض عالمّي كان أقيم في صيف العام ذاته في مدينة "فيلا دلفيا" واستعدّ "بيل" لهذا المعرض بصنع آلات خاصّة ،فصنع جهازا مزخرفاً ، وجلس أمام الصّندوق الحديديّ الذي يحتوي على آلة الاستقبال .وهيّأ نفسه لشرح الموضوع لكل من يلقي عليه أيّ سؤال .ولكن سرعان ما خابت آماله إذ كان الزوّار يمرّون أمام الجهاز دون الاكتراث به إذ حسبوه لعبة لا نفع للنّاس منها .ممّا جعل "بيل" يفكّر في مغادرة المعرض، لولا أنّ السيّد "هبارد"نصحه بالبقاء، وبفضل نفوذه استطاع أن يؤثر على بعض الشخصيات المهمة لتزور المعرض وتّطلع على الآلة الجديدة وخاصة لجنة التحّكيم التي تفحص الاختراعات المعروضة..ولمّا جاء دور آلة التّليفون كان التّعب قد أخذ من أعضاء اللجنة مأخذه،ونظر أحد الأعضاء إلى الشابّ الطويل ،ثمّ رفع السماعة واستفسر عن الآلة ،ولكنه لم يسمع شرح "بيل" لشرود فكره المتعب .وأمّا بقية الأعضاء فقد أداروا ظهورهم واستمرّوا في التنقّل لمشاهدة المعروضات الأخرى.وكاد المحكّمون في المعرض أن يغادروه ، دون أن يمنحوا"بيل" فرصة يعرض فيها جهازه .و بدأ اليأس يتسّرب إلى قلبه من جديد ، و لكنّ فجأة ظهر أمام باب القاعة رجل يدعى " كونت دي الكنتارا " و كان "بيل" قد رآه قبل ذلك أثناء إحدى المحاضرات التي تعوّد أن يلقيها في جامعة "بوسطن" فإذا بالرجل النبيل يتقدّم الجموع التي كانت تحيط  به ، ويتّجه نحو "بيل" ليصافحه قائلا :"كيف حالك يا أستاذ ؟... ما هو اختراعك الجديد؟..." وفجأة تبدّل الجوّ في القاعة واحتشد الجمهور حول مائدة "بيل".ارتبك المخترع الشابّ من شدّة المفاجأة عندما علم أنّ "الكونت دي الكنتارا" لم يكن إلا اسما مستعارا اتّخذه الرجل حينذاك عندما كان يتجوّل متخفّيا . وأن الشخّص الذي كان يحضر المحاضرات والذي أتى اليوم ليحييه والرّفع من قدره أمام الخلق الغفير لم يكن في الواقع سوى امبرطور "البرازيل " نفسه "دون بيدرو الثّاني".وقدّم "بيل" السمّاعة للإمبراطور،ثم ذهب إلى آخر القاعة حيث آلة البثّ وسأل : "هل تسمعني يا صاحب الجلالة؟ فقفز"الإمبراطور" من مكانه صائحا :" يا لعظمة الله ...إن الآلة  تتكلم".. وفي نفس اللحظة أصبح الجهاز محطّ اهتمام الزاّئرين جميعا في  المعرض..واعتبرته "اللجنة " أعجوبة الزمن. قام "الكسندر غراهام بيل " بعد ذلك بدعاية واسعة النّطاق لاختراعه الجديد ، فألقى عنه محاضرات  كثيرة ، وكتبت الجرائد المختلفة الاتجاهات تفسر تركيب وأهمّية الآلة الجديدة.ولكن "بيل" نفسه يدرك أن الجهاز لم يكن قد وصل بعد إلى درجة  الكمال التي تسمع بالاستفادة منه وتعميمه على نطاق واسع . وفي سنة 1877 تم ّزوج "بيل" من الآنسة الجميلة "ميبل هبارد" وذهب العروسان لقضاء شهر العسل. في بلده الأصلي "أنكلترا" فحمل معه الجهاز الجديد ليطلع أهل القارة الأوروبية عليه. وتمكن بيل من شرح جهازه أمام الملكة "فيكتوريا"التي اهتمت بالاختراع وسرت به وفي سنة 1880 منحته الحكومة الفرنسية خمسون ألف فرنك جزاء ما أتيح له من فكرة في نقل الصوت تليفونيا .

توفي "الكسندر غراهام بيل" في اليوم الثاني من شهر أوت سنة 1922  وهو في سن الخامسة والسبعين وعلى إثر الإعلان عن وفاته توقفت المكالمات التليفونية دقيقة واحدة حدادا عليه.

من إنجاز إيمان  جمازي - 6 أ- 2006-2007

رجـوع                الصفحة الرئيسية

إيدونات - شبكتي - المكتبة الإفتراضية - فضاء المكون - المدرسة الإفتراضية - فضاء المربي - حول الموقع